ثاظا
لأجل كل العاشقين الذين ٱنتحروا أو جُنُّوا بسببها في ذلك الزمن القديم القاسي ، إستدرجت الإلهة اللعينة "ثاظا" إلى وادي بولحمايل الهادر كي أقتلها . أفزعتني هذه الفكرة المجنونة في البداية ، و تساءلت في سري مرعوبا : من يستطيع إسقاط إلهة ؟ كيف أتغلب على قوتها الخارقة ؟ ثم كيف لم تنتبه أصلاً للغدر الذي أبيته لها ، و هي التي كانت تدرك النوايا ، و تملك للأفكار و الأحاديث و المشاعر تأويلا ؟ قلت لنفسي : لعلها قد أدركت الغاية من دعوتي المشبوهة لها بالخروج معي في نزهة إلى ضفاف الوادي ، حيث الماء و الظلال و السكينة ، حتى إذا بلغنا المكان أطبقت على رقبتي بيدها القوية و كسرتها ، ثم رمتني وسط النهر جثة هامدة . لكني سرعان ما تجاوزت خوفي ، و تظاهرت بشجاعة غامضة . ثم فكرت : سأصحبها إلى بولحمايل ، و هناك سأختار لها مقعدا رائعاً تحت ظل شجرة بلوط وارفة . سأضبط الراديو على الموجة المتوسطة حيث يسهل ٱلتقاط الأغاني الكلاسيكية الجميلة . قد يصادف الأمر بث الأطلال أو رسالة من تحت الماء أو مايثعنيت آيول . سأوقد النار و أعد الشاي و أحمص الخبز و أملأ الصحون الصغيرة زيتونا و بيضا و سمنا وعسلا مصفى . و عندما تستغرق اللعينة في الأكل سأبهرها بالحكايات القديمة ، المليئة بالشجاعة و المآسي و النهايات المدهشة . و فجأة سأقفز أمامها وسط النهر مثل بهلوان ، عاريا مرتعدا من شدة برودة الماء ، متمتما كلمات مضحكة . سأجعلها تضحك ، يجب أن تضحك ، و إذا ضحكت ، سيكون معنى ذلك أنها ٱطمأنت لغدري المبيت ، و ستحين وقتها اللحظة الحاسمة ، لحظة إرداء الشريرة قتيلة . ولكن ، كيف أفعل ذلك ؟ ماهي الطريقة الأفتك ؟ هل أقترح عليها ، بعد أن تنتهي من الأكل ، أن نسير قليلاً فوق الجسر ، حتى إذا وجدت الفرصة دفعتها من أعلى بقوة فوق الصخور الكبيرة وسط الوادي ؟ هل أصنع لها بواسطة الحبل أرجوحة صغيرة أثبتها إلى غصن كروشة ، و أجعلها تتلذذ بالحركة أعلى و أسفل ، حتى إذا أغمضت عينيها ٱستمتاعا ، لففت الحبل حول عنقها حتى تجحظ عيناها و تنقطع أنفاسها و تتبول في تنورتها الفضفاضة و تموت ؟ هل أستل ، في غفلة منها ، خنجرا أغرسه في صدرها بسرعة البرق و أنهي كل شيئ؟ في غَمْرةِ الخوف و الأسئلة و الإحتمالات بلغنا الوادي . آوَتْ ثاظا الجبَّارة ، الغامضة ، المُتلَذِّذةُ بِوجع المُولَّهين القدامى وِخساراتهم ، إلى ظلِّ فِلِّينةٍ و جلستْ أمامي . كنت قد إقْتَعَدتُ صخرةً ومددتُ قدمي المتعبتين في المياه المتدفقة . غمرتُ صاحبتي بنظرة إعجاب مُزَيَّف ، إرتجفت في حضرتها كَأيِّ عاشقٍ حقيقي ، إرتميت وسط صمتها المُطْبق، خَلْخَلْتُهُ بِغزَلٍ لم أعرف من أوحى به لِماكِرٍ متوجِّسٍ مثلي . كان شيئا أكبر من الغزل ، فالتَّشَبُّبُ لا يليق بإلهةٍ كَثاظا ، و لعلي كنتُ أصلي في محراب عينيها . هكذا يمكن إدراك جنونها الرَّاكِدِ بَعِيدِ المنال ، و هكذا فقط يمكن إسقاط المجرمة . بولحمايل هادرٌ ، مثل مُعجزةِ العشق هذه التي حدثت أمامها ، و هو يُقِيم صلاته أيضاً لأجل مَصَبٍّ يَنْشُدُه ، و ضَيْفَتي أصابها دُوارٌ مُباغت ، مَدَّت يدها نحوي و قد أمالتْ رأسها جهة اليمين دلالة الرضا و الفرح . لم تستطع إخفاء الولعِ المشتعل في نظراتها . سقطتِ اللعينة سقطتْ ، خرَّتْ أمام لَحْظي و كلماتي و مكْرِيَ الدفين . أمسكتُ يدها بِرفق ، سحبتها نحوي وبدأْتُ أراقصها وأُداعب ظفيرتها . غَرِقتْ فِيَّ وغَرِقْنا معاً في صمتٍ لذيذ . ثم بدأتْ بعد ذلك تُوَشْوِشُ لي كلاماً رقيقاً دافقاً . رَفْرَفتْ روحي فرحاً بالنصر. إنْفَلتْتُ من بين ذراعيها برفق و ركضتُ ناحية الجسر . و قفتُ فوقه و صرختُ لاهِثاً في وجه الصَّدى :
- ثاظا عاشقة عاشقة ، أنا قتلتها ، قتلْتُهاً عشقاً … ! كانت تنظر إليّ و كانت تبكي .